أجزاء النص الخفية- بين الولادة والموت والاكتمال

المؤلف: ريهام زامكه10.18.2025
أجزاء النص الخفية- بين الولادة والموت والاكتمال

في رحاب عالم الكلمات الشاسع، يظل هنالك على الدوام نص دفين، جزء عصي على البوح، حبيس الأدراج، وإن لاحت تباشيره للعيان، استعصى على الفهم والإدراك، وكأنه سر مكتوم، لا تدركه الحواس، ولا تنقله العبارات، يتربع بين حنايا السطور، لا يمسه أو يستشعره إلا من اكتوى بناره، أو خبر مرارته، وقد يتعمد الأديب تركه بين الفواصل والكلمات، لمواساة القلوب المتعبة، أو تجسيد أحوال المحبين الولهانين.

في أعماق كل فكرة نابضة، يولد نص جديد، نص مفعم بالحيوية، تحيطه آمال عريضة، كأنه وليد أراد له الكاتب أن يرى النور، نص يعتني به الكاتب أيما اعتناء، ثم ينتزع منه جزءًا من روحه حتى يكتسب شخصية فريدة في هذا العالم الأدبي، ويغدو الكاتب بمثابة الأم الرؤوم التي ترعاه وتغذيه، وتقدم صورته البهية للعالمين.

وثمة نصوص أخرى تحتضر قبل أن تبصر النور، يدثرها الكاتب بقسوة قبل أن تنبض بالحياة، فلا تستطيع أن تكتمل أو تنهض، لأنه لم يمنحها الفرصة لكي تعيش، وقرر أن يقتلها في مهدها.

وما أكثر النصوص التي وأدتها أناملي، وكنت أظن قبل فعلتي أنها تحمل فكرة عظيمة، سرعان ما تبين لي أنها لا تستحق النشر والانتشار.

هل ما أسجله الآن هو ما أود التعبير عنه حقًا؟ هذا التساؤل هو الشك الذي يعتري قلب الكاتب، فيقف حائرًا بين نصه وقلمه، يخط ويمحو بلا كلل، ويبقى الجواب بعيد المنال، يترنح على أطراف النص دون الوصول لليقين.

صدقوني أيها الأحبة؛ في كل نص، وفي كل حرف، وفي كل كلمة، وفي كل جملة، يكمن جزء مبتور، جزء لا يمكن البوح به، ولا يمكن تدوينه، ولا يمكن الإفصاح عنه، إن اختار الكاتب بتره برضاه، وإن لم يفعل، امتدت إليه مقصات الرقيب لتترك في النص فراغًا مبهمًا، قد يدفع القارئ إلى متاهة ليحاول عبثًا سبر أغواره وقراءة ما بين السطور.

وفي الختام؛ نحن نكتب ونسطر الكلمات، ولكن يظل على الدوام هنالك جزء من النص منقوصًا، حتى وإن بدا النص متكاملاً وجميلاً، لا بد من ثغرة خفية، تمامًا كما أخبرتكم من قبل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة